اللهم صلِّ على سيدنا محمد عدد ما أحاط به علمك
وجرى به قلمك وأحصاه كتابك ووسعته رحمتك
وصلّت عليه ملائكتك وجميع خلقك
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشانه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه.
وبعد:
أيها المسلمون، فخذوا بعض ما قاله الغرب في المرأة المسلمة التي سادت نساء العالمين بإيمانها وأخلاقها وعفتها وحيائها:
قالت الكاتبة البريطانية آتي رود في مقالة نشِرت عام 1901م: " لأن يشتغل بناتنا في البيوت خوادم أو كالخوادم خير وأخفّ بلاءً من اشتغالهن في المعامل حيث تصبح البنت ملوّثة بأدرانٍ تذهب برونق حياتها إلى الأبد. ألا ليت بلادنا كبلاد المسلمين؛ فيها الحِشمة والعفاف والطهارة... نعم، إنه لَعَارٌ على بلاد الإنجليز أن تجعل بناتَها مثَلاً للرذائل بكثرة مخالطة الرجال، فما بالنا لا نسعى وراء ما يجعل البنت تعمل بما يُوافق فطرتها الطبيعية من القيام في البيت وترك أعمال الرجال للرجال سلامةً لِشَرَفِها؟!".
والثانية ألمانية، قالت: "إنني أرغب البقاء في منزلي، ولكن طالما أن أعجوبة الاقتصاد الألماني الحديث لم يشمل كل طبقات الشعب فإن أمرًا كهذا ـ أي: العودة للمنزل ـ مستحيل ويا للأسف". نقلت ذلك مجلة الأسبوع الألمانية.
والثالثة إيطالية، قالت وهي تخاطب الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله: "إنني أغبط المرأة المسلمة، وأتمنى أن لو كنت مولودة في بلادكم".
أيها المسلمون، إن علينا أن نعرف دور المرأة وحقَّها الشرعي الذي أمر به الله تعالى، لنعود إلى سابق العزة والمكانة بين الأمم، ولذلك فيجب علينا تجاه المرأة المسلمة ما يلي:
أولاً: تربيتها على الإيمان بالله تعالى والخوف منه ومراقبته في كل صغيرة وكبيرة؛ فإن الإيمان هو سبب الفلاح في الدنيا والآخرة، ومراقبة الله هي العاصم من كل زيغ وبلاء.
ثانيًا: الاهتمام بالأخلاق وتربية المرأة عليها؛ فالأخلاق هي أساس الحياة، ومن لا حياء لديها لا حياة لها.
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
ومن الملحوظ الذي يراه كل بصير أن كثيرًا من المسلمين ـ خاصّة في مجتمعاتنا التي يطلق عليها المجتمعات المحافظة ـ يعتنون بالمظهر على حساب المخبر، فنهتمّ بالعباية والحجاب ولا نهتم بالتربية على الحياء والعفاف والحشمة، ولهذا فإنك تجد كثيرًا من نساء مجتمعاتنا متحجّبة حجابها الكامل، لكنها تحمل بين جنبيها أخلاقًا سيئة وقلةَ رقابة لله وقلةَ فقه في الدين، وهذا الذي جعل كثيرًا من فتياتنا تسقط عند أوّل انفتاح يرينه.
وحتى تتّضح الصورة أكثر فإنا نذكركم ـ إخوتي في الله ـ بما نراه أحيانا عند البيت الحرام من وجود بعض المسلمات الصالحات اللاتي قد لا يغطّين وجوههن مع أن لديهن من الحياء والعفّة أكثرَ مما لدى فتاة احتجبت بحجابها الكامل وتعاكِس الشباب.
ثالثًا: على كلّ المؤسّسات الحكومية والأهلية أن تتّقي الله عز وجل في كلّ ما يعرض للمرأة من مواد إعلامية أو تربوية أو تجارية؛ فإن المرأة تتأثر بما يعرض عليها، ولو أن تلك المؤسسات حملت على عاتقها بالنهوض الحقيقي للمرأة ثقافيا وعلميا وفكريًا فإنه أنفع للمرأة وللوطن وللأمة.
رابعًا: على مؤسسة التربية والتعليم وكذلك مؤسسة الدعوة والإرشاد أن تهتم بالمرأة وتربيتها وتعليمها وتثقيفها وإرشادها إلى كل ما يهمها بأسلوب مناسب لها يختلف عن الرجل؛ لتكون المرأة عند حسن ظن وطنها وأمتها بها.
خامسًا: وأخيرًا، يجب على المرأة المسلمة أن تفهم حقيقة وجودها، وأنها خلقت لعبادة الله عز وجل، وأن الدنيا كلها ليست إلا معبرًا لدار خلد نعيمها مقيم دائم. ويجب على المرأة كذلك أن تصنع لها هدفًا ساميًا في الحياة بعيدًا عن أهداف الملبس والمأكل والمشرب؛ فإن قيمة المرأة في سموها بأهدافها وأعمالها، لا بمنظرها ورونقها. وعليها كذلك أن تعي ما يدسّ لها من مكائد من أعدائها في الداخل والخارج ممن يريدون استعمالها كأداة لبثّ شهواتهم وأفكارهم الهدامة التي ينشرونها تحت شعارات حرية المرأة والمساواة والعدالة.
وصلوا وسلموا ـ عباد الله ـ على من أمركم الله تعالى بالصلاة والسلام عليه...